حصري : متعة اللقاء صحبة الكاتب كمال الإدريسي .. عن التجربة وأشياء أخرى
( يسر موقع التحدي المغربي أن يستضيف قلما مشاكسا حتى النخاع ، يهوس الكتابة حتى الثمالة ، بل ولد ليكون كاتبا وقارئا جيدا ، ” هم السؤال ” كان رحلة لسبر أغوار نسغ مداد ممزوج بدم عاشق لغياهب الحروف ، هو العالم بدواخلها بل في أدق تفاصيلها له كتابات تؤسر المتتبع لقراءتها والسفر عبرها إلى عالمه الخاص . )
حاوره: خالد الأزهري
– أهلا ومرحبا بك الأستاذ كمال الإدريسي، نتشرف بك في هذه الجلسة الحوارية وسعداء أن نقتحم عالمك الإبداعي والفني، بجملة من الأسئلة..
– مرحبا.. أنا سعيد أكثر أن أكون ضيفا عليكم..
– اسمح لي أن أفتتح حوارنا بسؤال تعريفي، “من يكون كمال الإدريسي؟”
– كمال بن حسن بن القرشي الإدريسي، بيضاوي الأصل والنّشأة، من مواليد 18 مارس 1986 ، تخرجت من كلية الآداب بنمسيك/الدار البيضاء، سنة 2010 شعبة الدراسات العربية، اللغة العربية وآدابها، ثم تسجلت فيها من جديد تخصص دراسات مسرحية امتدت سنتين إلى غاية 2012…
– متى بدأ شغفك بالكتابة؟
– بدأ منذ الصغر، أيامَ التّلْمَذة، كان قلبي يضيق وصدري يختنق، كان يتولد لدي حماس مفرط، وأحيانا أحزن وأتَضَيَّم، لا أعلم سبب كل هذه المشاعر المُصْطرعة داخلي! ولا كيف أتخلص منها! إلى أن اهتديت إلى الحل (العلاج) كانت الكتابة هي خلاصي من مُقاساتي، علمت أنها وسيلة هِداية وتقويم، فشرعت أكتب، وكلما كتبت كلما خفّ حزني، واستراحَ خاطري. بدأت أكتب كل شيء، كل ما يخطر على بالي أكتبه، تكومت على مدار أشهر مجموعة من الأوراق والدفاتر والمخطوطات.. أعطيت بعضها لأساتذتي في الصّف، رغبة في معرفة مستوى كتاباتي. أخبروني بعد الاطّلاع عليها، أنها جيدة ولكن غارقة في الأخطاء، بل لا يمكن أن تسلم الجملة الواحدة من خطئ و أكثر…
– هذا هم آخر يُضاف “الأخطاء”، كيف سلمتَ منها؟ وما هي اقتراحات أساتذتك؟
– علي أن أفهم أن الإنسان ماضٍ في تعلمه، كما هو ماضٍ في أخطائه، شعرتُ بالأسى طبعا، كيف يجتمع الإبداع والخطأ، كانت أخطائي تنتصر عليّ وعلى إبداعي، فجأة توقفت عن محاولاتي الكتابية، والتجأتُ إلى المطالعة هي الدواء، وفيها عشتُ الحياة والحلم والمغامرة والخيال.. عشتُ التّأثر والرغبة الحثيثة أن أكتب وهذه المرة بلا أخطاء…
– وكتبت؟؟
– وسأكتب.. ودائما أُقرنُ الكتابة بالقراءة، فلن أكتب إلا إذا قرأت.. إن محرضي الأول على الكتابة هي القراءة…
– لماذا كان ديوان: “الزّيتونيّة حَبْ الرّمان” الصادر في سنة 2013 هو أول أعمالك المنشورة؟ لماذا ليس شعرا بالفصحى؟ لماذا ليست قصة، أو غير ذلك.. لماذا (الزجل؟)
– ممكن أنه بدارجتنا الجميلة، ممكن أنه هدية لأمي الزيتونية، ممكن لأني أردت أن تكون فاتحة أعمالي هو ديوان زجلي، وممكن أيضا ولعله الأصح أن أنافس به في وقت كان صوت الزجل ذائعا ومسموعا، ولعله باقٍ..
– علاقة كمال الإدريسي بالمسرح؟
– علاقة جيدة جدا، دائما أفكر في مسرحياتي أن تتحقق على الركح، أن يتجرأ مخرج على إخراج أعمالي إلى المتلقي، وألا تبقى حبيسة الرفوف، وُجد المسرح للتجسيد والتشخيص والفعل المسرحي، يحزنني ألا تُلعب أعمالي، بداية من العاشقة خادم، مرورا بالمسخ، وصولا إلى فتيلات الضوء…
– وأين المشكلة؟؟
– النص المسرحي القوي بأفكاره ولغته وعمقه وعوالمه، يحتاج مخرجا بنفس القدرة، القدرة على الابتكار… بالإضافة إلى الممثل الموهوب المستعد على إيصال اللغة قبل الفكرة، لأني أنحاز إلى اللغة الجيدة الجميلة قبل الفكرة..
– هل وجدت هذا المخرج، القادر، كما قلت؟
– تعاملت مع مخرج من هذا النوع له بُعْدٌ جمالي وفني مختلف، أتكلم عن هشام موقات. كان أول تعامل لي معه في مسرحية “غاردينيا” التي جسدتها (نادية صابر)، ثمّ مسرحية “بعد شهر” التي جسدها (أيمن لقرافي)، لهشام طريقة مختلفة على استنباط عناصر الجمال في النص، إنسان يفهم في أصول الإخراج، يتذوق النص، يفهمه، ثم يطرق باب الاشتغال وينطلق… هذا تعاملي معه في النص المونودرامي، لا أعلم طريقته في النص الجماعي، لكن يبدو لي أنه فنان يستطيع أن يصنع عنصر الجمالية والفرجة وأن يحقق الخطاب المسرحي..
– بالمناسبة هنيئا لكم الفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان علي بابا للمونودراما بسطات..
– شكرا جزيلا، لمّا يكون فريق عمل متكامل فانتظر المفاجأة، كتب النص أولا وكنتُ أستحضر الصديق أيمن لقرافي، أراه أمامي وأنا أكتب، أقول في نفسي لن يلعب هذا النص أحد إلا أيمن، إنه على مقاسه، ومن يرغب فيه عليه أن يكون كأيمن..
– لماذا أيمن؟
– قال لي يوما أريدُ أن ألعب لك نصا مونودراميا، يكون بالدارجة، عندها كنت أعمل على “الغادة تابعاه”، لما أنهيتها، أخذتها إليه، قرأها أبدى إعجابه بها، ثم اتصل بي لاحقا قال ستأخذ مني وقتا للحفظ. لأن النص يضم بعض المقاطع الزجلية التي شكلت لي حرجا في حفظها.. أذكر أني قلت له دع النص جانبا ورتب معي موعدا لدي مفاجأة.. التقينا، مددتُ له نصا يحمل عنوانا: (محطة قطار وانتظار) هو الذي صار موسوما ب: (بعد شهر)..
ثم إني شاهدته في مسرحية (القبلة الأخيرة) راعني كثيرا، يملك إحساسا فظيعا، مرهف حد البكاء، يتأثر جدا، هذا هو الجانب الذي نالني منه، فكتبتُ له ما سمّاه (بعد شهر)..
– أنت تكتب في الزجل والقصة والمسرح والشعر، ومؤخرا حصدت جائزة سيزار الوطنية للشعر في دروتها الأولى، ما هي آخر إنجازاتك؟
– الإنجاز المنشور هو مجموعة مسرحية، بعنوان: (فتيلات الضوء) يضم ثلاث مسرحيات: كو جي طو – مومو عريان – فيكي فيل..
أما المخطوطات التي لم تنشر بعد – والتي تبحث عن ناشر- فهي متفرقة بين الشعر والزجل والقصة والمسرح… في انتظار دار نشر تقوم بنشر هذه الأعمال دون اشتراط التكاليف أو الدفع مناصفة… متعب أن تطبع وتنشر من مالك الخاص، ثم لا تجد تشجيعا أو دعما أو حتى من يقرأ لك…
– ما هي طموحات كمال الإدريسي؟
– طموحات لا حصر لها، أطمح أن نتغير إلى الأحسن، أن نحظى بالاهتمام، أن تكون لدينا عدالة اجتماعية، أطمح أن نفرح، المغاربة لا يفرحون وليسوا سعداء أبدا، أحيانا يغزوني حزن فظيع وأتساءل ماذا ينقصنا حتى نحقق النصر على مشاكل التعليم، الصحة، الهشاشة….
– هل أنت سعيد يا كمال؟
– أنا دائما قلق، ومردّ ذلك إلى ما قلته قبل قليل…
– حدثنا عن قَلْبَيْك، أميرة وسُلطان..
– أميرة غاليتي وابنتي البكر، أحبها حبا عظيما، أحرص أن تتلقى تعليما جيدا، وأن أراها في مصاف العظماء والنجباء، حفظها الله تعالى..
أما سُلطان، فهو كنز ثمين، يرق قلبي له دائما، أعزه كثيرا، وأدعو أن يحفظهما الله ويصلحهما..
– شكرا أستاذ كمال الإدريسي، الشاعر والكاتب، مزيدا من التألق والبهاء، لا تتوقف عن الكاتبة، لا تتوقف عن الحلم، لا تتوقف عن الحب، ختاما إذا أردنا أن تلخص لنا فعل الكتابة عندك، ماذا ستقول؟؟
– أكتب لحاجتي لذلك، ليست الحاجة فقط، بل هو شعور يتّصل بأنفاسي، إن لم أكتب أمرض. ليس مغالاة ما أقول أو ضربا من التفرد، أو مدعاة إلى نيل التميّز. هو كذلك الأمر إن لم أكتب أشيخ وأذبل.
ومن يتتبع مساري الكتابي يدرك مدى الشغف بما أفعل، ومدى المقاساة التي أقبع تحتها، عنيدة وعتيدة ولذيذة.
أكتب لأني أحب أن أكتب، هكذا ببساطة، وكل عمل خضته ودخلت غماره أخلصت له. فإن كان نصا مسرحيا كان الاهتمام منصبا عليه وحده حتى أفرغ منه، أقسو عليه وألين، أشد وأرخف، فإن اهتدى اهتديت.
وإن كان سردا قصّا، ضجّ خاطري حيرة وقلقا فأمسك عن كل شيء حتى أقضي منه، أشذب وأهذب أداري وألاغي فإن رقّ أُريق.
وإن كان شعرا فإني أكون على شفا الهلاك والفقد، أخرس اتصالاتي وأبرج مكانا عَليّا، ولا أنزل منه حتى ينزل بي، أعدّل وأبدّل وأوشوشُ وأوسوسُ، فإن استبان أبين.
الكتابة عندي معضلة تؤزّني وتؤزّمني، فلا أطيق البقاء ولا أحتمل الخلاص.
الكتابة عندي دعوة صريحة للبحث والاشتغال والتنقيب، هي القراءة بالدرجة الأولى، عملا بما يقال: “اقرأ كثيرا لتكتب قليلا” ولأني أكتب في صنوف أدبية عدة يكون الاهتمام أشسع والقراءات أوسع.
وأغلب المشاريع الإبداعية أكتبها، صباحا باكرا بُعَيْدَ الفجر، أبقى على ذلك حتى يقُضّني النهار.لا أكتب ليلا، ولستُ من دعاة السهر. أنام باكرا وبين جوانحي فكرة تتمخض وتتعسّر. الفكرة تأكل مني كما تفعل الكتابة.
إنّا نكتب بدماء القلب وبشغاف الروح، أو كأنّا نحش الشوك بكفوف القطن. الكتابة هي الإنهاك والهلاك، ثم هي التّهَلّل والابتهاج…