التحدي المغربي/
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم،
السيدات والسادة الوزراء المحترمون،
السيد والي جهة مراكش آسفي عامل عمالة مراكش،
السيد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب،
حضرات السيدات والسادة،
أيها الحضور الكريم،
يسعدني أن أحضر معكم أشغال هذه الدورة لليوم الوطني للصناعة، الذي يشكل موعدا متجددا لتثمين المكتسبات وتبادل الأفكار حول الرهانات الوطنية الكبرى، والمتغيرات العالمية المهيمنة على القطاع الصناعي.
وكما لا يخفى عليكم، فإن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يولي عناية خاصة لهذا القطاع، بالنظر لمكانته داخل النسيج الاقتصادي الوطني، وباعتباره دعامة أساسية للتنمية الشاملة والمستدامة في بلادنا، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
فكما ذكر جلالته، دام له النصر والتمكين، في كلمته الموجهة للمشاركين في أشغال الدورة الأولى لليوم الوطني للصناعة، فإن المغرب “سجل تقدما هاما في القطاع الصناعي على مدى العقدين الأخيرين بفضل اعتماد الصناعة المغربية لمبدإ الانفتاح الاقتصادي العالمي واستنادها إلى استراتيجيات طموحة وواضحة، نابعة من رؤية مجالية شاملة”.
وهي الاستراتيجيات الطموحة التي تمت مواكبتها بشبكة من البنيات التحتية الصناعية واللوجستية، على غرار: ميناء طنجة المتوسط الذي يحتل المرتبة الأولى في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، وشبكة طرق سيارة تضم 1.800 كيلومتر، إضافة إلى تعبئة أزيد من 13 ألف هكتار من العقار الصناعي، وخلق حوالي 150 منطقة صناعية.
كما تمت مواكبة مختلف الاستراتيجيات الصناعية بإصلاحات هيكلية، بهدف تحسين مناخ الأعمال، والرقي بتكوين الكفاءات من خلال تطوير بنيات تكوينية جديدة، على غرار مدن المهن والكفاءات، والرفع من تنافسية الصناعة الوطنية.
وهو ما مكننا من التوفر على رأسمال بشري مؤهل في القطاع الصناعي، تمثل النساء أكثر من 43 في المائة من العاملين فيه.
واليوم، يحق لنا أن نفتخر، بأنه في عهد جلالة الملك، نصره الله، وعلى مدى ربع قرن، تضاعف حجم الصناعة الوطنية، وهو ما يعكسه على سبيل المثال:
ارتفاع الصادرات الصناعية 6 مرات، حيث انتقلت من 61 مليار درهم سنة 1999، إلى 376 مليار درهم سنة 2023.
ارتفاع عدد المقاولات الصناعية من 4.500 سنة 1999 إلى ما يقارب 13.000 سنة 2023.
ارتفاع عدد مناصب الشغل التي يوفرها القطاع من 477.000 سنة 1999 إلى قرابة مليون منصب شغل اليوم.
كما تمكنت بلادنا في إطار هذه الدينامية من تعزيز انفتاحها الاقتصادي عبر اتفاقيات للتجارة الحرة، أتاحت الولوج إلى أزيد من 2.3 مليار مستهلك.
حضرات السيدات والسادة،
إننا ندرك تمام الإدراك، حجم التحديات التي تواجهها الصناعة الوطنية، التي عانت من انعكاسات توالي الاضطرابات العالمية، ولذلك عملت الحكومة على بث دينامية كبيرة في القطاع، لاسيما من خلال “بنك المشاريع الصناعية”، وإحداث “صندوق دعم الابتكار”، الذي عرف نجاحا كبيرا منذ إحداثه سنة 2023.
كما تم إطلاق العديد من المشاريع الهيكلية لمواكبة الفاعلين الصناعيين وتعزيز الصناعة الوطنية، على غرار: ميثاق الاستثمار الجديد، والاستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030″، وإخراج القانون المتعلق بآجال الأداء، وخلق 22 منطقة جديدة للتسريع الصناعي بــ 8 جهات، ومنح أزيد من 20 مليار درهم للمقاولات من متأخرات الضريبة على القيمة المضافة، وغيرها…
ولأنها تمثل أكثر من 90 في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني، سيقدم الميثاق الجديد للاستثمار تدابير خاصة لفائدة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وذلك عبر تحفيز الاستثمارات المتراوحة قيمتها ما بين مليون و50 مليون درهم، ومن بينها المقاولات الصناعية.
هذا وتراهن بلادنا على التحول الطاقي لكسب رهان الإنتاج الخالي من الكربون وتعزيز تنافسية الإنتاج الصناعي، حيث نعمل على ولوج قطاع الهيدروجين الأخضر، من خلال “عرض المغرب”، الذي جذب اهتمام كبار الفاعلين العالميين في المجال، والذي نراهن عليه ليكون أحد المحفزات الرئيسية للانتقال الطاقي والنمو المستدام في المملكة.
وبفضل كل هذه الإجراءات، وما تنعم به المملكة من استقرار سياسي وتوازن ماكرو اقتصادي، تحت قيادة جلالة الملك، نصره الله، أصبح المغرب اليوم، وجهة عالمية في عدد من القطاعات المتطورة، وهو ما تعكسه العديد من الأرقام والمؤشرات:
فعلى مستوى صناعة السيارات: أصبحت بلادنا أول منتج للسيارات السياحية على صعيد القارة الإفريقية، والمصدر الأول للسيارات الحرارية إلى الاتحاد الأوروبي، كما تمكنا من مضاعفة عدد صادراتنا من السيارات بين عامي 2021 و2024.
وخلال سنة 2023 استطاعت بلادنا تصنيع أزيد من 570 ألف سيارة. يعني تقريبا سيارة في كل دقيقة.
كما خطت بلادنا خطوات عملاقة في ما يتعلق بالسيارات الكهربائية، وصناعة البطاريات، من خلال تطوير سلسلة قيمة متكاملة، ما مكن بلادنا من التموقع ضمن الخريطة العالمية للدول الكبرى في هذا المجال.
وبالموازاة مع ذلك، تشهد الصناعات المرتبطة بقطاع الطيران تطورا متواصلا، يعكسه الارتفاع المتزايد لحجم صادراته. كما استطاع القطاع استقطاب كبار المستثمرين العالميين، في ظل تواجد أكثر من 140 فاعلا دوليا في المجال ببلادنا.
وبالإضافة إلى كل هذا عززت المملكة موقعها كفاعل رئيسي في مجالات أخرى على غرار: الصناعة الغذائية، والصناعات الكيماوية، والصناعة الدوائية والصيدلانية، وصناعة النسيج والجلد.. من خلال الأدوار الهامة التي قامت بها هذه القطاعات، لاسيما على مستوى التصدير.
كل هذا جعل بلادنا تصمد في وجه تقلبات الظرفية، رغم توالي الصدمات الاقتصادية، وهو ما تعكسه مجموعة من الأرقام الدالة، حيث بلغ متوسط القيمة المضافة غير الفلاحية ارتفاعا بــ 3.6 في المائة سنة 2023، مسجلة نموا بنسبة 3.4 في المائة كمعدل تراكمي منذ 2021، أي بزيادة نقطة على المعدل المسجل خلال الفترة 2014-2021.
حضرات السيدات والسادة،
تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، التي تضمنتها الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال الدورة الأولى لـــ”اليوم الوطني للصناعة” في مارس 2023، تشتغل الحكومة اليوم على أن تكون الصناعة الوطنية جاهزة لتدشين عهد جديد يتخذ من مفهوم السيادة هدفا ووسيلة.
خاصة وأن الحكومة تعول على تطوير أداء القطاع الصناعي باعتباره رافعة أساسية لإنعاش التشغيل المنتج والمستدام، وبكونه يشكل أولوية حكومية. لاسيما وأن المؤشرات الأخيرة للقطاع جد مشجعة: فخلال النصف الأول من سنة 2024، خلق القطاع الصناعي (بما فيه الصناعة التقليدية) 92 ألف منصب شغل، متجاوزا قطاع الخدمات.
وتشكل أشغال هذه الدورة، فرصة سانحة أمام المشاركين لإنضاج الأفكار وطرح مختلف التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي، لكي تتمكن بلادنا من ربح الرهانات الحالية والمستقبلية، والانتقال إلى مصاف الدول الصاعدة، وتكريس صورة المغرب كمنصة ذات جاذبية للمستثمرين الوطنيين والأجانب.
أشكركم على حسن إصغائكم
وأتمنى لأشغال هذه الدورة التوفيق والنجاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته