تعليم

اليوم العالمي للمدرس.. فرصة ثمينة لتقييم الجهود المبذولة للارتقاء بالمدرسة المغربية

“قم للمعلم وفه التبجيلا … كاد المعلم أن يكون رسولا”
لم تنل السنون ولا عقود من الزمن من صحة هذا البيت لأحمد شوقي، فظل شامخا يشهد على المكانة المتميزة التي يحتلها رجال ونساء التعليم باعتبارهم نبراسا لرسالة التنوير في المجتمع.
تلك المكانة، جعلت اليونسكو تتبنى يوما عالميا للمعلم (5 أكتوبر من كل عام)، اعترافا بدوره في تربية أجيال تلو أخرى وتلقينها أولى خطواتها على درب العلم والمعرفة إلى جانب القيم النبيلة التي يقوم عليها المجتمع.
هي إذن لحظة تاريخية درج العالم على إحيائها منذ 5 أكتوبر 1994، وهي مناسبة سنوية لتسليط الضوء على إحياء ذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرسين، الإطار المرجعي لحقوق ومسؤوليات المعلمين، ومعايير إعدادهم وتدريبهم.

وتخليدا لهذه الذكرى تبنت اليونسكو شعار « التحول في التعليم يبدأ بالمعلمين » للاحتفاء به في عام 2022، على اعتبار أنه لا يمكن تصور تعليم دون مدرسين مدربين ومؤهلين.
وفضلا عن ذلك، يعد هذا الموعد السنوي فرصة سانحة لتقييم الجهود المبذولة للارتقاء بالمدرسة المغربية، وتحسين مردودية المتعلمات والمتعلمين، وتقاسم الخطوات الإصلاحية للمنظومة التربوية، عبر القيام بتحليل موضوعي للأسباب الكامنة وراء نقائص المنظومة التربوية والتعرف على انتظارات الفئات المستهدفة ومنها هيئة التدريس.
وقد راكم المغرب منذ الاستقلال تجربة غنية في إطار سلسلة إصلاح المنظومة، اعتبارا لكون المدرس جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية، حيث اعتمدت الحكومة عدة تدابير تقوم على التمكين في التخصصات واللغات والمهارات الذاتية لفائدة الأساتذة المقبلين على مزاولة المهنة.
وتماشيا مع الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 المنبثقة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي تمخضت عنها عدة إجراءات تروم تنمية الرأس مال البشري من خلال مدرسة ذات جودة، عبر تعميم التعليم الأولي وتعزيز القدرات الأساسية، أعدت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خارطة طريق من أجل نهضة تربوية تحدد أولويات الفترة ما بين 2022 و2026 هدفها توجيه الجهود نحو الإجراءات التي لها وقع مباشر على المتعلم.
وتهدف هذه الخطة الحكومية لإصلاح المنظومة التعليمية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير للنهوض بأطر التدريس وتطوير تكوينها، وذلك انسجاما مع القانون الإطار 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وخاصة ما تنص عليه المادة 39 التي تحث السلطات الحكومية ومؤسسات التكوين المعنية على العمل على مراجعة برامج ومناهج التكوين الأساسي لفائدة الأطر العاملة بمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها، بقصد تأهيلهم وتنمية قدراتهم، والرفع من أدائهم وكفاءتهم المهنية.
وفي تنايا الخطة التي تتوخى تكوين 50 ألف أستاذ في أفق 2025، الارتقاء بمدة التكوين إلى خمس سنوات منها ثلاث في سلك الإجازة وسنة تدريب بالمراكز الجهوية لمهن للتربية والتكوين وسنة تكوينية داخل مؤسسة تعليمية، علاوة على تسقيف سن ولوج مهن التدريس في 30 سنة لضمان النجاعة والفعالية في الأداء.
وسعيا منها لتجويد القطاع بمختلف مكوناته انتهجت الحكومة مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، لمشاركتهم في اتخاذ القرارات الخاصة بهم للارتقاء بالمنظومة التعليمية وتحسين الوضع الاجتماعي لأطر التدريس.
ومن جانب آخر، حدد تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي 2021، المعنون ب « تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق رفاه الجميع »، مكامن الخلل حيث إن مؤشرات أداء المدرسة المغربية تظل جد متدنية، إذ إن ثلثي التلاميذ لا يحسنون القراءة عند نهاية الابتدائي، كما أن نسبة الهدر بلغت مستوى مرتفعا.
وأضاف التقرير أن التعليم الجامعي اتسم بقصور ملحوظ في التأطير والجودة واعتماد مسالك تكوين التي تتناسب مع الكفاءات والحاجيات التي يتطلبها سوق الشغل.
ولعل من الظواهر التي بات يواجهها المدرس والمتعلم، ظاهرة العنف المدرسي المتعدد الصور والأشكال، والدال على ما أصاب منظومة القيم من تصدعات، تؤثر على مختلف أطرافها وجوانبها.
وفي هذا السياق، كشفت دراسة لمؤسسة التضامن الجامعي المغربي، التابعة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، حول « العنف ضد الهيئة التعليمية في الوسط المدرسي » سنة 2019، عن أن 58 في المائة من حالات العنف تقع داخل أسوار المؤسسات التعليمية، بينما تقع 48 في المائة من الحالات خارج أسوارها، مشيرا إلى استفحال الظاهرة في الوسط الحضري بنسبة 77 في المائة، مقارنة مع الوسط القروي، بنسبة 23 في المائة.

ليس محض صدفة إذن، أن تكون مهنة التدريس من أسمى المهن في أي مجتمع يرنو إلى التقدم، والأكيد أن مدرس اليوم ينبغي أن يكون متعدد الاهتمامات، مواكبا لمستجدات التكنولوجيا في ظل تغييرات عميقة تفرض عليه تدبير وإدماج هذه المتغيرات في تجربته المهنية، مع امتلاكه لرؤية تجعل التلاميذ قادرين على الإبداع والتكيف مع التحولات من أجل مستقبل أفضل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق