مع قرب الرئيس التونسي قيس سعيّد اعتماد دستور جديد يعزز صلاحياته، يرى خبراء أنه لن يتذوق “حلاوة” السلطة فحسب، بل سيتعين عليه لوحده التعامل مع مرارة الوضع الاقتصادي “الكارثي” في البلاد، وسط مخاوف من “خنق تدريجي” للمعارضة.
إثر الموافقة شبه المؤكدة على الدستور الجديد الذي أجري الإثنين (25 يوليوز 2022) استفتاء حوله والذي يعزز صلاحيات الرئيس في تونس، يتّجه النظام السياسي في البلاد وفق محلّلين نحو « تشدد » و »دكتاتورية مخفّفة »، بعدما شكّلت تونس نموذجًا للتحوّل الديمقراطي الناجح في العالم العربي في العقد الماضي.
ويدخل الدستور الجديد، الذي يسعى الرئيس قيس سعيّد إلى اعتماده، حيّز التنفيذ ما إن تُعلن نتائج الاستفتاء الذي لم يشارك فيه سوى ربع الناخبين فقط. ومن المفترض أن تصدر أولى النتائج الرسمية الثلاثاء، إلا أن مهلة إعلان السلطات النتائج النهائية تمتد حتى نهاية غشت.
ويقول المحلل يوسف شريف: « لن يحصل أي تغيير فوري لأن قيس سعيّد لن يتوصّل (مع الدستور الجديد) إلا إلى إضفاء الطابع الرسمي على وضعية مستمرة منذ عام »، أي حين اختزل الرئيس المنتخب ديمقراطيًا في العام 2019، كامل السلطات بعدما اعتبر أن البلاد لا يمكن أن تحكم بالطريقة التي كانت متّبعة.
من جهته اعتبر خبير العلوم السياسية حمادي الرديسي في تصريح لوكالة فرانس برس أنه حتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل، أي الانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر، وبفضل الدستور الجديد سيتمتع قيس سعيّد بصلاحيات كبيرة.
وبحسب الرديسي، فإن الرئيس « مصمم على المضي قدمًا » وعلى « العمل سريعًا » للوصول إلى الانتخابات التشريعية مع « معارضة منهكة ستقاطع من دون شك الاستحقاقات » على غرار ما حصل في الاستفتاء. ويؤكد شريف أن سعيّد « يحكم منفردًا، المعارضة مهمشة والشعب لا يكترث ». ويعتبر شريف أن « تونس تتّجه نحو نظام أقل برلمانية وأكثر رئاسية. الأمثلة في المنطقة وفي التاريخ التونسي تشير إلى ان هذا الأمر سيؤدي إلى تشدد النظام وإلى ديمقراطية أقل ».
ويشدد محلّلون على عدم وجود ما يؤكد أن المجتمع المدني التونسي الذي يضم نحو 24 ألف جمعية وحزب ومنظمة غير حكومية والذي كان رافعة الانتفاضة في العام 2011، قادر على التمرد. وقال الرديسي: « إلى الآن، مقاومة اللاعبين السياسيين تقابلها هشاشة المؤسسات الديمقراطية التونسية ».
وضع اقتصادي « كارثي »
وبحسب شريف يمكن أن يشكل الوضع الاقتصادي الكارثي عامل كبح من خلال قرارات مؤلمة للطبقة الوسطى والطبقات المحرومة سيتعين على الحكومة اتّخاذها من أجل الاستحصال على قرض من صندوق النقد الدولي تنتظره منذ ثلاث سنوات. كما أن « أعدادًا متزايدة من التونسيين سيحمّلون الرئيس مسؤولية أوضاعهم الاقتصادية السيئة بما أنه الحاكم المطلق حاليًا ».
وسيمثل الاضطراب الاقتصادي، الذي قوض على مدى السنوات الصعبة الأحزاب السياسية التي تقاسمت السلطة، أكبر تحديات الفترة المقبلة وسيكون سعيد الطرف الوحيد الذي سيتحمل هذا العبء الثقيل ويتعين أن يجد له بمفرده حلولًا عاجلة.
وتدهور الاقتصاد التونسي منذ عام 2011، مع انخفاض النمو وارتفاع البطالة وتراجع الخدمات العامة والعجز المتزايد والديون. وأدى عدم الاستقرار السياسي وهجمات المسلحين ثم كوفيد-19 إلى توجيه ضربات متكررة لاقتصاد عليل بالفعل، ما أدى إلى تأثر عائدات السياحة والاستثمار الاجنبي بشكل حاد.
وقد يسهل تمرير الاستفتاء على سعيد اتخاذ الخطوة الأولى نحو استقرار الاقتصاد والمتمثلة في الحصول على حزمة إنقاذ طال انتظارها من صندوق النقد الدولي. فعلى عكس الماضي، ليست هناك حاجة للتفاوض داخل ائتلاف حاكم، والاستفتاء يضع حدا للترتيبات المؤقتة المعمول بها منذ الصيف الماضي. كما أنه قد يقوي موقف سعيد مع نقابة العمال القوية، الاتحاد العام التونسي للشغل، التي تعارض العديد من الإصلاحات.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي: « اعتماد الدستور الجديد قد يزيد فرص التوصل إلى اتفاق بعد أن أصبحت السلطة في يد واحدة غير مشتتة عكس الماضي.. لكن ذلك غير كاف ». ولكن مع ذلك، فإن نهجه السياسي الأحادي الجانب يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تعقيد الجهود للحصول على المزيد من المساعدة الغربية.
« خنق تدريجي » للمعارضة
واعتبر الجودي أن أن التوتر والاحتقان الاجتماعي وارد في الفترة المقبلة. لكن شريف يرى أن « الأمر سيستغرق وقتًا، ربما سنة ونصف السنة لكي يبلغ السخط ذروته »
وقال شريف « لا تزال هناك مقاومة »، مشيرًا إلى الاتحاد العام التونسي للشغل الحائز جائزة نوبل للسلام للعام 2015، وأيضًا « مجموعة كبيرة من الأحزاب والمنظمات غير الحكومية سترفع الصوت بشكل متزايد بعد انتهاء العطلة الصيفية ».
بحسب شريف، فإن المعارضة « حاليًا منقسمة وموصومة »، خصوصًا حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية التي هيمنت على كل الائتلافات الحكومية في السنوات العشر الأخيرة، مشيرا إلى أن قوى المعارضة المختلفة ستبني مواقفها على صدمة الواقع الاقتصادي.
لكن الرديسي أقل تفاؤلًا، إذ يعرب عن خشيته من سعي سعيّد إلى « خنق تدريجي » للتشكيلات السياسية « كالنبتة التي لا تروى ». ويرى الرديسي في مشروع قانون قيد الإعداد لتنظيم عمل الجمعيات والأحزاب والمنظمات غير الحكومية، دليلا على ذلك.
ويحذّر من أن سعيّد وإن كان قد تعهّد عدم حل « الأحزاب، التي باتت ضعيفة للغاية ومأزومة، سيعمد إلى خنقها بتدابير مشددة تطال تمويلها وتنظيمها ».