متابعة الأستاذ :سعيد كجعوط – برشيد –
احتلال الملك العام بين الرفض و التبرير
هل هي بداية الهدوء الذي يسبق العاصفة أم هي مرحلة عابرة كسابقاتها تمر و تبقى دار لقمان على حالها؟
خلال هذه الأيام تواصل السلطات المحلية بكل تراب المملكة المغربية القيام بحملات لتحرير الملك العام من سطوة بعض الأشخاص الذين أصبحوا لا يفرقون بين الملك الخاص و المرفق العمومي و الأمثلة متعددة و متشابكة؛ ما بين احتلال المقاهي و المطاعم لرصيف الراجلين بأكمله حتى أنك تخال نفسك سيارة بدون عجلات تمشي وسط الطريق المخصصة لذوي العربات ذات محرك وقد تصطدم باحداها و ما أدراك بأطفال في عمر الزهور في هذا الموقف و هم لا يجدون رصيفا يحميهم، ولكم أن تتخيلوا أما و هي تدفع عربة صغيرة تضع مولودها فيها عندما تصطدم مرتين :مرة باحتلال مكان الرصيف و بخطورة دهسها من طرف سيارة أو شاحنة يسوقها انسان متهور.
و في جانب آخر فقد اتخذ العديد من بائعي الخضر و الفواكه بعض الشوارع و الأزقة أسواقا لا تنام بالليل ولا بالنهار بعرض سلعهم، و الصراخ بأعلى صوت ممكن لدعوة الناس لشراء ما يلزمهم، و في بعض الأحيان يختلط آذان الصلوات الخمس بنهيق الحمير و البغال و الخيل و تقضي هذه الدواب حاجتها من روث و بول يزكم الأنوف و عندما يتم الاحتجاج يخرجون من أفواههم قاموسا لا أثر له في معجم ابن منظور أو لسان العرب و قد يصل به الحد الى إخراج سيف من صنف الساموراي.
هذه الفوضى دفعت الناس للتعبير عن سخطها و متسائلة :ما سبب تواجد هذه الكائنات بين العمارات و الازقة الذي لم تألفه سوى داخل الطبيعة الفيحاء و شساعة الأرض و السماء.
الغريب في الأمر أن جمهور الناس انقسم إلى فريقين، فريق يدافع عن هذه الفوضى الخلاقة و حجتهم أن حاجة الناس و شظف العيش هو من رماهم الى هذا الوضع و بأن الدولة لم توفر لهم ظروف العيش الكريم في مسقط ولادتهم مما دفعهم الى الهجرة الى المدينة للبحث عن مورد رزق و منهم من لام المسؤولين عن غيابهم و تأخرهم في اتخاذ قرار تحرير الملك العمومي عند وضع أول قدم أو قطعة في المكان الغير المرخص كما وقع مؤخرا بفضيحة عمارات عمالة تمارة التي أطاحت وزارة الداخلية بالعديد من مسؤوليها بسبب عدم الحصول على التراخيص الضرورية للبدء في عملية البناء.
بالنسبة للفريق الثاني فانه ناقم و متألم مما آلت له أوضاع مدننا؛ ما هي بحواضر كما صنفها المؤرخون ونخص بالذكر ابن خلدون في مقدمته في قرون عابرة، و لا هي بقرى حيث يتعايش فيها الإنسان مع الحيوانات الأليفة و المتوحشة و يمكنك أن تسمع جميع أنواع الأصوات ما بين الصهيل و النهيق والمواء و النباح و حتى العواء…
أصحاب هذا الموقف الثاني يستندون في قراءتهم لهذا الوضع الشاذ و النشاز الى القوانين التي تنظم الفضاء العام و ما يترتب عن ذلك من جزاءات و أحكام ينظمها القانون المغربي و بأنه هو الفيصل و الحكم الذي يتم الاحتكام اليه بعيدا عن لغة العاطفة و التوسلات و التبريرات الواهية ونخص بالذكر مشروع القانون رقم 03.19 المتعلق بالاستغلال المؤقت للملك العمومي، في مذكرته التقديمية على سن قواعد خاصة للاستغلال المؤقت للملك العمومي بجميع أنحاء التراب الوطني، من خلال جعل هذا الاستغلال يخضع لدفتر التحملات.
و بين دفاع الفريق الأول عن أحقيته في البحث عن مورد رزق و تحقيق مآربه و مهاجمة الفريق الثاني في الحفاظ على النظام و عدم المساس بالملك العمومي باعتباره فضاءا خاصا للجميع لا يمكن الاقتراب منه؛ تضيع الحقيقة و يبقى الجدل قائما الى أن تتقدم الحكومة بنص قانون داخل قبتي البرلمان لوضع شروط و قوانين تنظم هذا الأمر بعيدا عن العشوائية و الذاتية مع الدعوة إلى إيجاد حل يراعي ورش التنمية الاجتماعية التي ما فتئ جلالته ملك البلاد ينادي بها للنهوض بأوضاع هذه الفئة التي وجدت نفسها بين السندان و مطرقة السلطات المحلية و نخص بالذكر الفئة الهشة التي تعتمد على القوت اليومي عبر خلق أسواق أسبوعية نموذجية تحفظ كرامة آدميتهم و تحقق الاستقرار الاجتماعي لهم.